قصة كفاح محرز من الشارع إلى المجد

جريدة الملاعب -

يحتفل نجم الكرة الجزائرية، رياض محرز بعيد مولده الثامن والعشرين يوم 21 من فبراير الحالي.

نجم مانشستر سيتي اعتبر عنوانًا للنجاح والارتقاء من قعر القاع، فجاء من أحد أفقر أحياء باريس كلاعب مغمور قبل أن يرفع كأس الدوري الإنجليزي الممتاز في مناسبتين ويحصد عديد الجوائز، مُتصدرًا أغلفة الصحف والمجلات العالمية.

رياض أحمد كريم محرز، وُلد في حي سارسيل شمالي العاصمة الفرنسية باريس، المعروف بارتفاع معدلات الجريمة والبطالة وكل ما قد يُذكر في هذا الصدد والمنوال بسبب اكتظاظه بالمهاجرين من مختلف الأعراق. والده جزائري وأمه مغربية من أصول جزائرية فيما قد نعتبره بأن اللاعب جزائري 100%.

لم تمنحنا تلك المعطيات نتائج مشابهة لما آلت إليه الأمور فيما بعد. فطبيعة الحي الفاسد وعمل والدته كمنظفة في أحد المصحات، والفقر الذي لاقاه في الصبا في شتّى مناحي الحياة، لم يكن ينذر بالفعل بأي شيء مما حدث لاحقًا بمسيرة رياض محرز.

النشأة..

يقول محرز عندما سُئل عن أفضل لحظات حياته بأنها تعود إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما أشرف والده على تدريبه وممارسته لكرة القدم في شوارع سارسيل، هناك ركل الكرة لأول مرة وبدأ في الانخراط خطوة تلو الأخرى، إلى أن ارتقى و لعب بعض المباريات على العشب الأخضر في أكاديمية الحي.

بيد أن الرياح أتت بما لا تشتهيه السُفن، الجميع يرفض قيده بشكل رسمي بسبب نحافة جسمه وضآلة حجمه، فكانت تلك السقطة الأولى في حياته التي لم تعرف طعم الاختبارات بعد.

يمر رفقة أبيه على مختلف الأكاديميات والإجابة واحدة، لا مكان لنجلك لدينا.. استمر الحال 6 أعوام، وخلال تلك المدة صُقلت موهبته وتنامت بشكل لا يُصدق، لكنه لم يتجاوز مجرد كونه لاعب هاوٍ تلقّى تكوينه في الشوارع.

"لقد كان والدي داعمًا لي، أراد دومًا أن أصبح لاعب كرة قدم، في كل مباراة كان يأتي معي لمساعدتي، لعب لبعض الأندية الصغيرة في الجزائر وفرنسا، لذا كان يعرف ما ينصحني به جيدًا".. (رياض محرز عن والده في حوار مع صحيفة إنجليزية).

الصدمة..

في الوقت الذي شعر رياض بأنه مُستعد لخوض الاختبارات في أعتى أكاديميات فرنسا، تلقى الخبر الأكثر ألمًا في حياته، حجر عثرة جديد لكن هذه المرة كان الحجر أكبر مما يظن، توفى والده، المشجع الأكبر والداعم الأول، يقول اللاعب بأن تلك اللحظة كانت نقطة محورية، هنا تحولت دفة الأمور بشكل هائل.

"بدأت في النظر إلى الأمور بجدية أكبر، أخذت الدنيا على عاتقي، ربما رغبت في أن أكون هذا".

الخطوة الأولى..

عمل محرز على تطوير نفسه بشكل أكثر احترافية، لينجح أخيرًا في الانضمام كلاعب رسمي إلى نادي كويمبر كيرفيونتن الناشط بدرجات الهواة عام 2009 كلاعب بالفريق الرديف بعد توصية من محمد كوليبالي أحد مدربي أكاديمية سارسيل.

يقول رونان سالون مدرب كويمبر، إنه في ذلك اليوم جاء محرز رفقة 20 لاعب للخضوع للاختبارات، اختاره هو فقط بعد مضي 15 دقيقة ورفض البقية.. "جاء إلينا بحقيبة تحتوى على 3 أشياء، فرشاة أسنان ومعجون وأحذية كرة قدم، إنه جوهرة حقيقة، رغم افتقاره للعنصر البدني، لكن فنياته شفعت له".

سجل محرز أهدافًا رائعة رفقة كويمبر، وبرز اسمه وتداول بشدة بين كشافي فرنسا إلى أن التقطته أعين إداريي باريس سان جيرمان ومارسيليا، حينها بدأوا الاتصال به لإقناعه بتمثيل أنديتهم.

لوهافر..

لكن اللاعب اتخذ قرارًا مسئولا ورفض الفكرة مُعللًا الأمر بوجود عرض من لوهافر، وهو النادي المعروف بتوليته الشباب قسطًا كبيرًا من الاهتمام. ليتقمّص ألوان لوهافر صيف 2010، في الموسم التالي ترقّى إلى الفريق الأول.

فضّل محرز مواصلة التطور في النادي الذي أخرج لأوروبا ديمتري باييه وبول بوغبا، عوضًا عن الانتقال إلى كبرى أندية فرنسا والمكوث كلاعب بدور هامشي ينتظر فرصة للعب بضعة دقائق كل موسم.. كان هذا القرار ثاني أفضل قرار في مسيرته، بعد إعلان رغبته بتمثيل المنتخب الجزائري ورفضه القميص الفرنسي في هذا العمر المبكر (18 عامًا).

يقول ماتياس بوغبا عن مزاملته لمحرز في فريق لوهافر: "كنت رفيقه في الغرفة، كان عشوائيًا وافتقر إلى الترتيب، يأكل ويترك الصحن، علمته بعض الأشياء، نظامه الغذائي كان سيئًا لأبعد درجة، نصحته بصفتي أخ أكبر له وساعدته كثيرًا".

عين وولش..

عُرف ستيف وولش رئيس كشافي نادي ليستر سيتي بالعين الثاقبة فقد عمل مع مورينيو في تشيلسي قبل 16 عامًا وأحضر له دروغبا، بينما ساهم في تكوين ليستر سيتي الذي فاز بالدوري الإنجليزي عام 2016 عبر اكتشافه معظم نجوم الفريق على غرار نغولو كانتي وشمايكل ورياض محرز.

"ذهبت إلى فرنسا لمشاهدة رياض، لم أكنّ له قدرًا كبيرًا من الإعجاب، لكنني رأيت في هذا الجسد النحيل حماسة ورغبة كبيرين، بعد إحدى المباريات بدأت في الإعجاب به، قلت له أن مكانك معنا في ليستر سيتي وظن أنه فريق للرغبي، لم يكن يعي جيدًا ما هو ليستر سيتي في الأساس، إنها أفضل صفقة أبرمتها في حياتي، أفضل من كانتي حتى، لقد اشتريته ب450 ألف يورو وبعته ب 60 مليون ".. (ستيف وولش).

الصعود..

لم يصبر وولش لنهاية الموسم، وأبرم عقدًا مع محرز في شتاء 2014 لينضم إلى كتيبة المدرب نايغل بيرسون الذي فاز بدوري الدرجة الأولى الإنجليزي وصعد إلى الدرجة الممتازة، قبل يتخذ المالك الراحل فيتشاي، قراره بإقالة بيرسون وتعيين كلاوديو رانييري، حتى بعد أن فاز بسبع مباريات من أصل آخر 9 جولات في البريميرليغ ليتفادى الهبوط بشكل إعجازي.

في نصف موسم لعبه محرز بالدرجة الأولى، سجل 3 مرات وصنع في خمس مناسبات خلال 19 مباراة.. بينما في الموسم التالي وهو الأول له في البريميرليغ 2014-2015 دوّن على 4 أهداف وصنع 3 خائضًا 30 مباراة من أصل 38، وضع بيرسون كامل ثقته في اللاعب ومنحه مقعد أساسي.

المنتخب الوطني..

في هذه الأثناء، لم يكن محرز مغمورًا بالقدر الذي يتخليه البعض، فجاء الاستدعاء الأول للمنتخب الجزئري في مباراة أرمينيا الودية الاستعدادية لمونديال البرازيل 2014، في هذا اللقاء صنع رياض هدفين ووضع بصمة جيدة، قبل أن يشارك في اللقاء الثاني ضد رومانيا، في كلتا المواجهتين فازت الجزائر 3-1 و2-1

أشرك المدرب السابق فاهيد خاليلوزيتش محرز في اللقاء الافتتاحي أمام بلجيكا بكأس العالم، لم يبل حسنًا وبدا كأنه تائهًا في الميدان، ليضعه على مقاعد البدلاء في لقائي كوريا وروسيا، ثم ملحمة بورتو أليغري التاريخية أمام ألمانيا، بداية متعثرة لكن لها ثمار وفوائد.

التتويج..

مع رحيل بيرسون وتولي كلاوديو رانييري الدفة موسم 2015-2016، لم يتغير وضع محرز كثيرًا، حصد الرجل الإيطالي لقب الدوري الإنجليزي الممتاز وكوّن فريقًا قويًا للغاية تعرض لثلاث هزائم فقط في كامل الموسم، رياض محرز كان أحد أعمدته الرئيسية ما منحه في النهاية جائزة لاعب العام في إنجلترا وأفضل لاعب إفريقي مع ارتفاع أسهمه بشكل لا يُصدق، برشلونة تشيلسي ومانشستر سيتي والجميع بات يرغب في ضم اللاعب الجزائري.

أظهر محرز خلال هذا الموسم، أفضل أداء فردي يمكن أن نراه للاعب في البريميرليغ، ونال إشادة الجميع بارتفاع نسقه في المباريات واحدة تلو الأخرى، حتّى أنه اعتلى هدّاف الثعالب جيمي فاردي في قلوب مشجعي الفريق، وبات الرقم 1 والواجهة الأولى للنادي. 

يقول تقرير من "فرانس فوتبول" إن محل الحلاقة الذي اعتاد محرز ارتياده في شبابه بحي سارسيل، أصبح محط زيارة الجميع ونال شهرة واسعة لأن غالبية الأطفال أرادو تقليد قصة شعر محرز بعد تألقه في الدوري الإنجليزي الممتاز. فاقت شهرة المحل حدود فرنسا وأصبح يتلقى زيارات من بلجيكا أيضًا. بينما في الجزائر قفزت مشاهدات البطولة الإنجليزية إلى 9 أضعاف ما بين عامي 2014 و2015.

يقول نسيم، صاحب محل الحلاقة وهو شاب جزائري مهاجر: "يأتيني الأولاد الصغار من كل مكان، ليل ومارسيليا وحتى بلجيكا لطلب قصة شعر رياضي، عندما غير القصة ووضع خطًا على رأسه طلب الزبائن مني الأمر ذاته، عندما يغير محرز القصة فإنهم يغيرونها معه 

مانشتر سيتي..

رفضت إدارة ليستر سيتي السماح للاعب بالرحيل رغم العروض التي انهالت عليه من فرق أوروبا الكبرى، إلى أن استسلمت في نهاية المطاف وملأت خزائنها بمبلغ 60 مليون يورو من نظيرتها في مانشستر سيتي بطلب من المدرب بيب غوارديولا صيف 2018.

رغم إنه لم ينل مقعدًا أساسيًا مع المدرب الإسباني الذي يحبذ المداورة والاختيارات العجيبة في بعض الأحيان، فإنه ساهم بقوة كلما شارك وسجل 48 هدفًا خلال 179 مباراة فضلًا عن صناعته لـ 38 أخرى.

حصد محرز لقب الدوري الإنجليزي الممتاز مرة أخرى مع مانشستر سيتي موسم 2018-2019، إضافة إلى كئوس محلية.

إفريقيا..

ربما هو الحدث الأبرز له بعد قيادته ليستر سيتي للقب البريميرليغ 2016، منتخب الجزائر يرفع كأس أمم إفريقيا لأول مرة منذ 3 عقود بفضل مجهودات وأهداف حاسمة من القدم اليسرى لمحرز، هدفه ضد نيجيريا بنصف النهائي اعتبر الأغلى في مسيرته.