جريدة الملاعب - مهند جويلس
في ظل توقف كرة القدم عن الممارسة في أغلب دول العالم حالياً إلى أجل غير مسمى أثر تفشي وباء كورونا، لا بد من عشاق الرياضة أن لا يفارقوا قراءة المعلومات ومشاهدة المباريات والأحداث المهمة أو استرجاع الذكريات قليلاً عن معشوقتهم المستديرة، حتى لا يشعروا بملل الأيام الحالية كثيراً وفقدان الحماس والشغف في هذه الرياضة.
قصة أجمل وأعظم مباراة بالنسبة لجماهير المارد الأخضر منذ تأسيس النادي في ال ٥٦ إلى يومنا هذا، كيف لا، وقد قدم الفريق يومها وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لعام ألفين وثمانية وفي مباراة إياب دور ثمن نهائي دوري أبطال العرب " كأس محمد السادس للأندية الأبطال " حالياً، أجمل وأعظم مباراة في تاريخ النادي.
الحكاية بدأت من مباراة الذهاب والتي عاد منها الوحدات " مكسور الخاطر " بخسارته بثلاثة أهداف مقابل هدف في الخرطوم، وتحديداً قبل أسبوع من لعب مباراة الإياب والتي أعلن من خلالها رجال المدرب العراقي وقتها أكرم سلمان بأن مهمة الأخضر لم تنتهي بعد .. وللقصة بقية.
رواية فصل الإياب بدأت سريعاً، ومع إطلاق الحكم السوري محسن بسمة صافرة البداية، وبعد ذلك بثلاثة عشرة ثانية فقط، أرسل الظهير الأيسر محمد الدميري كرة طويلة من قبل منتصف الملعب إلى شباك الهادي حارس المريخ الذي خدعته مياه الأمطار التي هطلت بغزارة على عمان، ليتقدم الأخضر ويعلن الحرب الكروية على الشباك السودانية دون أي سابق إنذار، ولحد اللحظة يعتبر هدف الدميري أسرع هدف بالبطولة العربية.
هدف استفز مشاعر الأحمر الوهاج وأرادوا البقاء في أجواء المباراة رغم برودة الطقس الغير معتاد على لاعبيهم، وفي الدقيقة التي تلت فرحة هدف الوحدات ومن كرة غريبة تصدى قائد الفريق الأردنيى فيصل إبراهيم للكرة من داخل منطقة الجزاء بيديه ويقوم الحكم السوري بطرده ويكمل المارد مغامرته المستحيلة طوال التسعين دقيقة "تقريباً " منقوصاً للاعب وتعديل الكفة من الجانب السوداني من ركلة جزاء، وكل هذه الأحداث والمباراة لا زالت عند الدقيقة الثالثة!
الوحدات، وكأن شيئاً لم يحصل من طرد وهدف صعب المهمة، بل مارسوا الضغط والهجوم المكثف على المريخ بثلاثة محاولات جادة، قبل أن يتقدم الأخضر بالنتيجة مرة أخرى عبر أسطورته رأفت علي بعد اثنا عشر دقيقة على بداية اللقاء، ليعلن الوحدات عن أنه بطلاً لا يُهزم حتى في أصعب الظروف وأشدها.
ضغط صاحب الضيافة وتقدمهم للأمام جعل مهمة الضيوف سهلة في حال ترتيب هجمة مرتدة سريعة لتعديل النتيجة، ومن خطأ دفاعي آخر، المريخ يعدل النتيجة ويعقد الأمور أكثر وأكثر على رفاق الحوت عامر شفيع.
لاعبو الوحدات أيقنوا بأن الهادي لم يكن هادياً على الإطلاق في تلك الليلة، وأصبحوا يسددون الكرات بأي طريقة كانت لإرتباك الحارس السوداني وعدم مقدرته على التعامل مع الكرة بشكل جيد، لكن دون جدوى في الحصة الأولى، لينتهي الشوط بتعادل بهدفين في كل شبكة.
الشوط الثاني كان لرأفت علي رأيٌ آخر، فكَ النحس الذي طال كثيراً على مرمى الهادي في الشوط الأول، وتقدم بالثالث لفريقه من كرة خدمتها الأرضية السيئة المبللة بالمياه وقت تسجيله للهدف بعد أربعة دقائق من بدأ الفصل الآخر والنهائي من الحكاية الكروية، الأردنية السودانية.
الغريب في تلك المباراة بأن عدد الهجمات الوحداتية أضعافاً مضاعفة من محاولات الخصم، لكن وفي كل هجمة منظمة يسجل المريخ، وهنا كان الهدف الثالث للضيوف وقبل نهاية المباراة بخمسةٍ وثلاثين دقيقة، وهو ما يتطلب من الوحدات بالفوز بفارق ثلاثة أهداف على الأقل، وهو بالأمر المعقد في كرة القدم في ذلك الزمان.
لاعبو الأخضر لم يرفعوا الراية البيضاء، والإنتفاضة الوحداتية حضرت بعد هدوء غريب ساد على المدرجات الخضراء، " مارادونا " يظهر في ستاد القويسمة، بهذه الكلمات وصف المعلق المصري المهاجم محمود شلباية بعد هدفين سريعين الأول برأسية متقنة والثاني بمقصية رائعة، لتعلن هذه الأهداف عن عودة وحداتية رهيبة والدقائق المتبقية لنهاية المباراة العصيبة " ٢٢ " دقيقة فقط لا غير.
الدقيقة الرابعة والسبعين كانت الفيصل في ليلة الوحدات التاريخية، البديل عوض راغب يسجل الهدف السادس وهو هدف قطع تذكرة العبور للدور القادم، والكاميرات سلطت عدساتها على فرحة رأفت وشلباية التي لن تُمحى من ذاكرة الوحداتيين.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى على المريخ، احتسب الحكم ركلة جزاء عليهم، وازدادت الحصيلة التهديفية في شباكهم ليصل عدد الأهداف في مرماهم إلى سبعة أهداف والدور جاء على رأفت علي ليسجل " الهاتريك "، قابلها من الناحية الأخرى دموع الفرح التي لا تنسى من شفيع الذي لم يكن على الموعد كثيراً والدليل الهدف الرابع الذي سجل في آخر اللحظات والذي لم يؤثر على فوز وتأهل الوحدات التاريخي بالسبعة.
وفي كل ١٢/٢٥ من تلك المباراة وإلى يومنا الحالي من كل عام، يستذكر الوحداتيون هذه الموقعة التي فيها من العبر والدروس الكثير في الإنتماء والعطاء والتضحية وتقديم الغالي والنفيس من أجل الشعار ومن أجل الكيان، ويتمنون بأن تكون كافة الأجيال بنفس حرارة ذلك الجيل، وعندما تسمع كلمة " ريمونتادا " في الوقت الحالي، تذكر هذه المباراة وقارنها مع المباراة التي تعتقد بأنها " ريمونتادا " حقيقة.