جريدة الملاعب -
شهدنا في السنوات القليلة الماضية "جنوناً كبيراً" في كرة القدم الأوروبية يتعلق في تعاقدات الأندية مع اللاعبين تفجرت مع انتقال نيمار من برشلونة الى باريس سان جرمان بقيمة 222 مليون يورو وتبعها انتقال كيليان مبابي من موناكو الى فريق العاصمة الفرنسية بقيمة 175 ملين يورو.
سان جرمان لم يكن الفريق الأول الذي افتتح الصفقات "الجنونية"، بل سبقه اليها نادي مانشستر سيتي الذي أجرى العديد من الانتقالات منذ شرائه من قبل الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، حيث شهدنا معه صفقات كبيرة مفاجئة لبعض اللاعبين الذين لا يستحقون تلك الأرقام أحياناً.
مرّ على كرة القدم الأوروبية ارتفاع كبير في الأسعار في السابق ونتحدث هنا عندما قرر نادي ريال مدريد برئاسة فلورنتينو بيريز بناء "الغالاكتكوس" في مرحلتين، الأولى مع حقبة زين الدين زيدان ورونالدو البرازيلي ولويس فيغو وغيرهم من النجوم، وفي المرحلة الثانية مع كريستيانو رونالدو وكوكبة من النجوم التي انضمت الى الفريق في وقتها.

ملايين الدولارات شمالاً ويميناً
ولكن بالرغم من الأموال التي دفعها ريال مدريد في المرحلتين، لم نشهد هذا الصعود بالأرقام في كل الصفقات، فمنذ رحيل نيمار عن برشلونة مثلاً، دفع الأخير ملايين الدولارات من أجل التعاقد مع عثمان ديمبيلي (125 مليون يورو) وفيليب كوتينيو (145 مليون يورو) وانطوان غريزمان (120 مليون يورو)، فرانكي دي يونغ (75 مليون يورو).
مثله مثل مانشستر يونايتد مثلاً الذي تعاقد مع المدافع هاري مغواير كأغلى مدافع (87 مليون يورو)، وسبقه بول بوغبا (105 مليون يورو) بعد ان تخلى عنه بـ3.5 مليون يورو فقط.
مانشستر سيتي ليس بعيداً أبداً عن هذا "الجنون"، فتعاقد الصيف الماضي مع لاعب اتلتيكو مدريد رودري (70 مليون يورو)، وجواو كانسيلو (65 مليون يورو)، فضلاً عن صفقات سابقة مثل كيفين دي بروين (76 مليون يورو).
تشيلسي ليس بعيداً عما قامت به باقي الأندية، فهو سجل صفقة تاريخية بتعاقده مع الحارس كيبا أريزابالاغا (80 مليون يورو)، إضافة الى العديد من الصفقات الأخرى.
ريال مدريد ايضاً وبالرغم من سياسته بالتعاقد مع لاعبين واعدين، كسر "خزنته" وتعاقد مثلاً مع ايدين هازارد الصيف الماضي (100 مليون يورو) ولوكا يوفيتش (60 مليون يورو).
بين الفترة الممتدة من عامي 2000 و2009، والفترة الثانية من عامي 2010 و2020، نرى بأن أندية عديدة انضمت الى "نادي الصفقات الكبيرة" في الفترة الثانية، وكأنه أصبحت مجبرة على دفع الأموال الطائلة للحصول على خدمات لاعب معين.
وهذا ما شكى منه العديد من رؤساء الأندية الذي أكدوا أنه بمجرّد أن تُشير أي صحيفة بأن نادي فلان معجب باللاعب فلان ليرتفع سعره بشكل خيالي.

ماذا بعد وباء كورونا؟
في الوقت الحالي تعاني البلاد الأوروبية من أزمة حقيقية ربما هي الأولى منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهذا ما دفع بعد الحكومات لاعتبار ان مواجهة وباء كورونا هو حرب فعلية، وإعلان الحرب هو توصيف للواقع المرير التي تمر به كل بلدان العالم حياتياً واقتصادياً.
بالنسبة للاقتصاد، توقف انتاج الدول الأوروبية بنسبة كبيرة جداً والبعض بدأ يتحدث عن مجاعة، ربما بعض التصاريح مبالغ فيها من أجل حث الناس على التزام بيوتها، ولكن هذا لا ينفي أن اقتصاد تلك البلدان تأثرت كثيراً ما سينعكس سلباً بكل تأكيد على اندية كرة القدم.
خسائر الأندية ترتفع يوماً بعد يوم بسبب توقف الدوريات، غياب الجماهير، توقف عائدات البث التلفزيوني، اغلاق المتاحف الخاصة فيها، اغلاق متاجر بيع القمصان، توقف اكاديميات الفئات العمرية...
ما يعني أن هذه الأندية بحاجة لوقت ليس بالقليل من أجل استعادة عافيتها مع استعادة اقتصاد الدول الأوروبية والعالمية لعافيته.
فالعالم اليوم في حرب كونية ضد وباء خبيث لا نعرف متى ننتهي منه، بالبعض يتحدث عن 18 شهراً من أجل إيجاد لقاح مضاد لهذا الوباء، وبالتالي الحرب ستستمر طويلاً ما يرتب أعباء وخسائر إضافية.

لننسى الصفقات الجنونية
اشعلت صفقة نيمار سوق الانتقالات ويبدو أن وباء كورونا أتى ليطفؤها، بحيث لم تعد الأندية قادرة على إتمام هكذا صفقات بكل تأكيد على الأقل لسنة واحدة، وهنا سنكون أمام حل من اثنين، إمّا تمسك الأندية بنجومها لعام إضافي أو التخلي عنهم بأسعار "منطقية".
بعد أن ارتبط اسم لاوتارو مارتينيز بالانتقال من انتر ميلان الى برشلونة بـ 120 مليون يورو، قد تصبح قيمة الصفقة الآن 70 مليون يورو كحد اقصى، ونفس الأمر سينطبق على العديد من اللاعبين الآخرين.
وفي حال أصرت الأندية على الاحتفاظ بنجموها، فهي أمام خطر خسارتهم مجاناً في حال انتهت عقود أي منهم الصيف المقبل مع رفض اللاعب تجديد عقده.
يعني الحل الآن هو إمّا تقبل الأندية للأمر الواقع، أو مواجهة مصيرها مع اللاعبين الرافضين البقاء، والمشكلة الأكبر من كل ذلك أن الأندية التي دفعت الملايين للتعاقد مع نجم معين قد تصل خسارتها الى 200% في حال رحل هذا النجم بسعر منخفض، مثل عودة نيمار الى برشلونة مثلاً.
المهم من كل ذلك، اننا سنتخلص من الصفقات غير المنطقية في كرة القدم، لنعيد الى ارض الواقع ونعيد معنا كرة القدم التي نحب، بعيدة عن الصفقات التجارية التي اضرت باللعبة لفترة طويلة.