جريدة الملاعب -
يمكن لكل شيء ان يخدعك صورة واحدة تساوي 5000 كلمة، عنوان جريدة مرّ عليها الزمن ولم يتبقَ من مضمونها شيء، فيديوهات على يوتيوب تصور نصف الحدث وتترك النصف الاخر للخيال، إحصائيات لا تخبرك كل القصة، ويد واحد حملت فريقاً إلى اللقب الأغلى في تاريخ الأمة.
في الطريق إلى تاريخ الأرجنتين في كأس العالم، تلمع دائماً سنة 1986، لقطة مارادونا وهو يقف أمام 6 لاعبين من المنتخب البلجيكي، يده وهو يُسجل الهدف ضد إنجلترا، قدماه وهما ترواغان أُمة إنجليزية بأكملها، في كل من هذه الصور تختفي 10 أسماء أخرى ومدرب من الصورة، ليظهر رجل يحمل الأرجنتين بأكملها.
يُمكن أن نأخذ خطوة إلى الخلف وندخل في أول قشرة من البحث، تلك التي يُحبها الجمهور وباتت حجتهما المُطلقة، وهناك سنجد ما لا يقبل مجالاً للشك بأن مارادونا كان لهذا المنتخب كالمياه والجسد وهي الإحصائيات: صنع 5 أهداف وسجل 5 أهداف من أصل 14 في البطولة. لكن أول ما سيلفت نظرك هو ثلاثة أمور:
- لا أهداف لمارادونا من ضمن الثلاثة التي سُجلت في النهائي ضد ألمانيا الذي انتهى (3-2)، لكنه صنع الهدف الثالث لخورخي بورتشاجا.
- الاسم الثاني بين هدافي المنتخب الأرجنتيني هو خورخي فالدانو بـ 4 أهداف.
- الأرجنتين لم تتلقَ قبل المباراة النهائية سوى 3 أهداف.

الثنائي خورخي
تدلنا قشور الأرقام على أن هناك شيء كان يحدث حول مارادونا، وأن اليد التي سجلت الهدف التاريخي في ربع النهائي أمام المنتخب الإنجليزي لم تكن تصفق وحدها، ولكوننا يجب أن ننظر أبعد من الصورة فلنبدأ من صاحب الهدف الثالث في النهائي ومن لازم في الخط الأمامي: خورخي بورتشاجا وخورخي فالدانو.
الأول كان مهاجم نانت الفرنسي (ثاني الدوري والذي وصل إلى ربع نهائي كأس اوروبا)، لكنه يُشبه إلى حد بعيد كل مهاجم يُحبه المدرب ولا يعجب الجماهير كثيراً، لا يتوقف عن الركض وتكمن أهميته بأنه يستطيع حمل الفريق من الوسط إلى الهجوم وهو ما كان يُخفف الضغط عن مارادونا.
خورخي الثاني لا يحتاج إلى كثير من الكلام ، بطل الليغا لسنتين متتاليتين مع ريال مدريد وأفضل لاعب فيها، كذلك كان بطل أوروبا مع الفريق الملكي في السنة ذاتها.

دفاع الأرجنتين
في الوقت الذي كان يملك المنتخب الأرجنتيني الثنائي الضارب في الهجوم إلى جانب مارادونا، ستجد ثلاثي متنوع في الخلف: أوسكار روجيري مدافع ريفر بلايت، خوسيه لويس كوجوفو واحد من أذكى المدافعين والذي يمرر بشكل ممتاز ويجيد الخروج بالكرة، وفي إصابة باساريلا كان خوسيه براون الورقة الرابحة في الخلف.
الرجل الأول: كارلوس بيلاردو
ثلاثة في الخلف وثلاثة في الأمام لا يُشكلون فريقاً في كرة القدم، لكن في الزمن الذي كانت معظم منتخبات العالم 4-4-2، اختار بيلاردو أسلوب أكثر ثورية 3-5-2 مع اللعب على المرتدات.
يتميز بيلاردو بأنه كثير العمل وربما مهووس، بعد الفوز بـ 3-2 في النهائي على ألمانيا، كان ما يزال أثناء الاحتفالات يتحدث إلى المدافعين حول تلقي الفريق هدفين من كرة ثابتة. هذا الرجل نفسه تحدى العالم ليُحضر مارادونا إلى المنتخب لكونه كان يعلم أن خطته المُحكمة لا يُمكن أن تعمل من دون الرقم 10.

يقول بيلاردو في مقابلة أجريت معه سنة 2006: "أتذكر أن الانتقاد كان كبير لمارادونا قبل البطولة، خاصة بعد أن جعلته قائد الفريق في مكان باساريلا، فالجميع كان يُعارض وجوده بعد ما حدث في مونديال 82 (حين طُرد مارادونا ضد البرازيل)، لكنني لم أستمع لأحد".
بنى بيلاردو حائطاً من المدافعين، حيث كان يُدافع الفريق تقريباً بـ 7 لاعبين ثم يتحول بمساحات شاسعة في المرتدات حيث يستطيع أن يعمل مارادونا، الخماسي الدفاعي وأمامهما باتيستا كارتكاز مع عمل بورتشاخا وإنريكي في الوسط حيث يتميزان بالأدوار الدفاعية وبالقدرة على إيصال الكرة لمارادونا بعد قطعها. جعل كل هذا الأسلوب الذي لعب فيه بيلاردو عصياً على الاختراق وصعب الإيقاف في حين يبدأ بالتحول الدفاعي – الهجومي، وفي مشاهدة لمعظم أهداف الأرجنتين في البطولة سنجد أنها جاءت من مرتدات.
لا يُمكن لأحد أن يُشكك بعبقرية دييغو مارادونا وأهميتها في فوز الأرجنتين في كأس العالم، بالقدر نفسه التي كانت أهداف كيمبس مهمة في مونديال 78 أيضاً، لكن القول بأن يد أرجنتينية واحدة حملت كأس العالم سنة 1986 يعد تظهير للتاريخ كما يريده المُبجلون وليس كمان هو.